Admin
الإدارة
عدد المساهمات : 482 نقاط : 32323 تاريخ التسجيل : 03/03/2010 الموقع : www.al-himaya.alafdal.net
| موضوع: العظماء وحدهم يتواضعون الخميس مارس 25, 2010 11:56 am | |
| العظماء وحدهم يتواضعون
كثيرون هم الأشخاص الذين يختالون في مشيتهم وكأنهم بلغوا الجبال طولاً ومهابة، ظنوا أن رتبتهم الثقافية، نشاطهم الفكري، أو مكاسبهم العلمية مدعاة للتفاخر والتباهي. نفشوا ريشهم بين الناس وجلسوا في الصدارة، وتحدثوا في كل محفل بلسان منمق وبلاغته طليقة حتى لتحسب أنهم ((رسل الكلام))! هؤلاء.. فقاعات هواء تكبر يوماً بعد آخر وعندما تنفقئ لن تجد داخلها سوى الخواء. قطعاً هناك استثناء يمكن أن يصنف بالندرة إن صح التعبير، لكن بقى في هذا الخليط الغير متجانس من الناشطين والناشطات في شتى المجالات وضع متناقض يجعلك حذر في التفاعل الإيجابي معه، إنه يوغل في العمل الدؤوب بنشاط وهمة حتى يستأسد على الجميع وكأنه صاحب الفضل أو القيادي المحنك. تأخذه العزة بنفسه، أنفة، تكبر، غرور، هو في واقع نفسه يبحث عن بؤرة ضوء كاشفة كي تجعله قبلة الأنظار، مدفوعاً بنزعة الشهرة والسمعة تحت مظلة الخدمة الوطنية أو التكليف الديني، لهذا يأنف من الأعمال الصغيرة التي تغمره في العتمة ويأبى إلا أن يتصدر الآخرين. هذا للأسف الواقع المرير الذي يعيشه أغلب الناشطين وعلى مختلف الميادين وهم مدفوعين بقناعات وهمية وتناقضات مبعثها ((الأنا)) التي تتضخم وتكبر فيخرج العمل رياءاً وعجباً نوايا خبيثة تُدارى بلسان منمق وكلمات مشبعة بالقيم والمثل وشواهد إثبات بالقرآن والسنة، ويحسب أن فعلته قربة لله وخدمة للناس بينما الواقع هو إشباع لنقص ذاتي كامن فيه. فمن يكتب، أو يؤلف، أو يدير مشروع، أو يشرف على نشاط، أو ينظّر للآخرين، أو يعتلي منبر... يفترض به أن يلتحم بهموم الناس بصمت وبدون افتعال ضجة، ثم ينطلق بدافعية وإيثار وإن تجاهلته الأضواء وشهادات التقدير أو الأوسمة. اعمل كجندي مجهول إن لزم الأمر وفي العتمة طالما كان عملك لله، آمن بعملك وبقدسيته، اسمع وتقبل الرأي الآخر برحابة صدر، حاور الصغير والكبير واستقبل النقد بتفهم، واجلس أينما ينتهي بك المجلس أسوة برسول الله (ص)، ولو كان لك نصيب كبير من الشهرة فإن هذا لا يسوغ لك التقوقع على ذاتك في غرور أو الترفع على الناس متباهياً بإنجازاتك مهما كانت كبيرة. إن من يظن نفسه قد ارتقى على البشر ما هو إلا إنسان أجوف من الداخل مسته نتانة إبليس حينما استحوذت عليه نزعة ((الأنا))، قائلاً: ((خلقتني من نار وخلقته من طين)) استكبر وطغى، وتلك هي الحماقة والضعة. العظيم وحده شاهق في معنوياته، فارع الهمة، باسق العزم، ارتفع عن الدنيا بكل زخارفها (مراكز، مباهج، أموال، أضواء، شهرة) فكانت بعينه حقيرة، صغيرة، كقطعة الدرهم.. يأنف أن يطأطأ هامته لهذا المستنقع الآسن الذي ابتلع الجبابرة والمغرورين والمتكبرين، وجد العطاء متعة، وخدمة الناس لذة، والتواضع زينة، والغرور هزيمة، والكبرياء انكسار. وهكذا ديدن كل عظيم.. ومبدع ممن غيروا البشرية وتبوءوا سنام المجد، كالشمس في توقدها اللاهب على مر الدهور تجهل أن لها كل هذا الكم من الإشعاع. مات المبدعون بتلقائيتهم وشفافيتهم دون أن يدركوا أن لهم كل هذا البريق وتلك النجومية، هم يدخلون العتمة لحفر بؤر ضوء وإذا بهم شهب تحترق لتضيء الدرب إلى الكمال.. كانوا عظماء... علماء، أدباء، كتاب، مثقفون، مخترعون.. هل أدركوا يوماً أن لهم هذا الوهج الخطّاف؟! بمخالب من عزم وإصرار حفروا الصخر بإخلاص، بوفاء، بإيمان، تركوا بغيابهم حضوراً مشعاً وروحاً وثابة تتجدد في كل يوم بفكرة، نظرية.. والأهم من كل هذا... أنهم كانوا يختبئون والأضواء العطشى تلاحقهم بنهم. بينما هؤلاء... المسخ الذين جاءتهم حثالة دنيا، النزر القليل، حفنة بسيطة، فظنوا أنفسهم أسياد، عظماء، هؤلاء أقفوا نموهم الفكري على حدود الهمة المنهكة، وتراكمت نفايات الدنيا بين يديهم فكبرت جبالاً من القذارة وظنوها منتهى الأحلام، وإذا بها سراب يحسبه الظمآن ماءاً. حرر نفسك من أغلال أناك... وأطلق إلى الفضاء عصافير أحلامك المختبئة.. ستعرف أنك لم تبدأ بعد.. فما زال المجهول أمامك أرحب.
عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع): ((ذوالهمة وإن حط نفسه يأبى إلا علواً كالشعلة من النار، يخفيها صاحبها وتأبى إلا ارتفاعاً))
منقول
| |
|